تقنية

لماذا كانت الغابات موضوعاً ساخناً في عام 2025؟ (حوار)


برزت قضايا الغابات بوضوح في عام 2025، فما أسباب ذلك؟

تُعد الغابات رئة العالم؛ إذ تحتضن بمساحاتها الخضراء الشاسعة التنوع البيولوجي الهائل الذي يُدعم النظام البيئي ويعزز خدماته، كما تُمثل الغابات مصدرًا للأكسجين، وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عبر عملية البناء الضوئي التي تقوم بها النباتات، ما يحفظ مستويات الغازات في الغلاف الجوي.

من جانب آخر، تُعد الغابات موطنًا لملايين البشر الذين يعيشون فيها ويعتمدون على مواردها في حياتهم اليومية. كل هذا كفيل بجعل الغابات أحد أهم الموارد الطبيعية التي تحتاج إلى اهتمام وعناية خاصة على سطح الأرض.

وقد برزت قضايا الغابات في عام 2025، خاصة مع استضافة “مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثلاثين” (COP30) في البرازيل في مدينة بيليم على أطراف غابات الأمازون، لتسليط الضوء على المشكلات التي تهدد الغابات بمواردها؛ نتيجة التغيرات المناخية. ولأسباب أخرى.

فقدان مستمر

منذ نهاية العصر الجليدي الأخير؛ أي قبل 10 آلاف عام، فقدت الأرض نحو ثُلث غاباتها، وهو ما يُعادل مليار هكتار من الغابات، وهي مساحة تُعادل ضعف مساحة الولايات المتحدة الأمريكية. وأغلب الأسباب وراء ذلك، هو أنّ البشر يزيلون الغابات من أجل زراعة المحاصيل الزراعية وتربية الماشية واستخدامها بعد ذلك كحطب. وفي خلال السنوات الأخيرة، تفاقمت ظاهرة الاحتباس الحراري، وارتفعت درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة، سجلت 1.55 درجة مئوية -مقارنة بعصر ما قبل الصناعة- في عام 2024، وهي بذلك أعلى سنة في درجات الحرارة على الإطلاق، وفي نفس العام، بلغت خسارة الغابات الاستوائية الأولية نحو 6.7 مليون هكتار، وهو ضعف ما سُجل في عام 2023.

وقد شهد عام 2025 أيضًا العديد من حرائق الغابات، نذكر منها:

أستراليا

اندلعت حرائق الغابات بقوة في ولايات نيو ساوث ويلز وتسمانيا في أستراليا، ما تسبب في تدمير عشرات المنازل وقتل أحد رجال الإطفاء، وقد حذرت السلطات من أنّ ارتفاع درجات الحرارة مع تراكم الغطاء النباتي، يُفاقم حرائق الغابات. وقد أشار مقال رأي في “الغارديان” إلى أنّ موسم حرائق الغابات في أستراليا للعام 2025 قد يكون هو الأخطر منذ “الصيف الأسود” (Black Summer)، وهو موسم حرائق الغابات 2019-2020، والذي يُوصف بأنه كارثي، وتميز بارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة والجفاف والحرائق، ما أدى إلى حرق أكثر من 19 مليون هكتار، وأودى بحياة نحو 33 شخصًا، ودُمرت الحياة البرية وآلاف المنازل، ما جعله الحادث الأسوأ على الإطلاق ونقطة مرجعية لحرائق الغابات المدمرة في أستراليا.

أوروبا

القارة العجوز، المشهورة باللون الأخضر على الخريطة؛ فهي من أغنى المناطق بالغابات أيضًا، وعلى الرغم من أنها تضم دول الشمال، وبعضها ينضم إلى القطب الشمالي، إلا أنها أيضًا تعاني من حرائق الغابات التي أتت على ما يزيد عن مليون هكتار داخل الاتحاد الأوروبي في عام 2025، وهي زيادة تفوق 4 أضعاف مقارنة بعام 2024. وسجل الاتحاد الأوروبي أكثر من 1800 حريق غابات، الأمر الذي تسبب في انبعاثات أكثر من 38 مليون طن من الغازات الدفيئة. وتضررت إسبانيا والبرتغال بصورة خاصة؛ إذ فقدتا أكثر من 400 ألف هكتار و260 ألف هكتار على التوالي.

الولايات المتحدة

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية عامها الجديد 2025 بحادث حرائق في جنوب كاليفورنيا بين يومي 7 إلى 31 يناير/كانون الثاني، التي أثرت على مقاطعة لوس أنجلوس، ما أدى إلى خسائر تُقدر بما يتراوح بين 135 إلى 150 مليار دولار. كما تدمرت آلاف المباني، وانقطعت الكهرباء على السكان المحليين؛ نتيجة تضرر البنية التحتية للشبكات الكهربائية. وفي يوليو/تموز، اندلعت حرائق الغابات في ولاية أريزونا، ما أدى إلى فقدان أكثر من 145 ألف فدان، واستمرت جهود الإطفاء حتى نهاية سبتمبر/أيلول، وبلغت تكاليف مكافحة النار والإطفال نحو 135 مليون دولار.

نداءات السكان

ارتفعت أصوات الناشطين البيئيين والسكان المحليين والسكان الأصليين الذين يعيشون في أحضان الغابات هذا العام؛ خاصة مع تواتر الظواهر الطقسية المتطرفة من أعاصير وفيضانات تسببت في فقدان الغابات، وحتى حرائق الغابات، وهموا لرفع أصواتهم عبر المحافل الدولية معبرين عن آرائهم والضرر الواقع عليهم؛ مطالبين بإشراكهم في السياسات الدولية؛ لضمان حقوقهم، وتجلى ظهورهم في COP30.

وفي هذا الصدد، تقول ماري لويز ماليج (Mary Louise Malig)، مديرة السياسات في التحالف العالمي للغابات (GFC) لـ”العين الإخبارية”: “كشف عام 2025 عن الضغوط المتزايدة على الغابات: حرائق غير مسبوقة، وتوسع الزراعة الصناعية، وموجات جديدة من الاستيلاء على الأراضي مدفوعة بمخططات الشركات المناخية”.

وتتابع ماري: “وقد أثرت هذه الأزمات بشدة على النساء بمختلف فئاتهن، والشباب، وكبار السن، والأشخاص ذوي الهويات الجندرية المتنوعة، مما فاقم أوجه عدم المساواة القائمة، وألقى بأعباء أثقل على عاتق من هم في صميم رعاية الغابات وإدارتها. ومع ذلك، فإنّ هؤلاء النساء والشباب وكبار السن والأشخاص ذوي الهويات الجندرية المتنوعة أنفسهم، إلى جانب الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، هم من يقودون الاستجابات الأكثر فعالية، ويدافعون عن أراضيهم، وينعشون النظم البيئية، ويدفعون باتجاه حلول تحويلية حقيقية، وعادلة جندرياً، وقائمة على الحقوق”.

محادثات مناخية

يُطلق على COP30، لقب “مؤتمر الأطراف في الأمازون” (Amazon COP)، لانعقاده على أطراف الأمازون، في مدينة بيليم. وقد حصل المؤتمر على ضجة إعلامية واسعة وكأنه المنقذ للغابات حول العالم. بالفعل، شهد المؤتمر العديد من الفعاليات المتعلقة بالغابات، وظهر السكان الأصليون لغابات الأمازون بوضوح في المؤتمر.

وفي أثناء قمة القادة التي انعقدت قبل COP30 بأيام قليلة، أُطلق “صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد” (TFFF)؛ بهدف دعم البلدان التي تضم غابات استوائية. من جانبه يقول جان فينز بارسينال (Jann Vinze Barcinal)، أمين برنامج استعادة الغابات للعام 2024 في “المنتدى العالمي للمناظر الطبيعية” (GLF)، لـ”العين الإخبارية”: “الغابات هي أحواض كربون حيوية؛ فهي أنظمة تكيف قائمة على النظم الإيكولوجية لإنقاذ الحياة، تُنظّم المياه، وتُثبّت المنحدرات، والحفاظ على الغذاء وسبل العيش لملايين البشر. مع تفاقم الظواهر الجوية المتطرفة، يُسرّع تدمير الغابات من آثار المناخ، ويُعمّق عدم المساواة، ويُقوّض قدرتنا على الصمود”.

يتابع جان، قائلًا: “وقد أوضحت الأضواء العالمية في بيليم أن حماية أراضينا وغاباتنا شرط أساسي للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وضمان مستقبل عادل وقابل للعيش لمجتمعاتنا في الخطوط الأمامية، وخاصة في دول الأغلبية العالمية”. ويُضيف: “كشف COP30 كيف أن النضال من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري لا ينفصل عن حماية أراضينا وغاباتنا”.

من جانبها ترى ماري لويز ماليج أنّ “كانت الغابات محورًا رئيسيًا في مؤتمر الأطراف لعام 2025، ويعود ذلك جزئيًا إلى انعقاد COP30 في بيليم، في منطقة الأمازون، والذي رُوِّج له على نطاق واسع تحت مسميات “مؤتمر الأطراف المعني بالغابات”، و”مؤتمر الأطراف المعني بالتنفيذ”، وحتى “مؤتمر الأطراف المعني بالحقيقة”. ومع ذلك، لم يُترجم انعقاد المؤتمر في أكبر غابة مطيرة في العالم إلى الشجاعة السياسية والعمل المطلوبين.

وتُضيف ماري: “فعلى الرغم من أشهر من الضجة الإعلامية، أخفقت الحكومات مرة أخرى: إذ لم تُسفر المفاوضات عن أي اتفاق ذي مغزى لمواجهة إزالة الغابات، واقتصرت معظم الإشارات إلى حماية الغابات على عبارات مبهمة مدفونة في الديباجات وبرامج العمل”.

وتُبدي ماري رأيها في “صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد”، قائلة: “أما الإعلان الرئيسي الوحيد، وهو “صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد” (TFFF)، فقد قُدِّم على أنه إنجازٌ كبير، إلا أنه يجسد تمامًا ذلك النوع من التفكير القائم على السوق والمُعطي الأولوية للتمويل، والذي فشل مرارًا وتكرارًا في حماية الغابات والمجتمعات المتضررة. ولم يُؤدِّ تسليم المرفق إلى البنك الدولي كمضيف مؤقت إلا إلى تعميق المخاوف، نظرًا لسجل المؤسسة الطويل في دعم التنمية الاستخراجية وآليات سوق الكربون. بالنسبة للتحالف العالمي للغابات والعديد من حلفائنا، فإنّ إطار عمل الغابات المستدامة ليس حلاً على الإطلاق، بل هو مخطط زائف آخر قائم على السوق، يصرف الانتباه عن العمل الحقيقي، ويجب رفضه رفضًا قاطعًا”.

وتختتم حديثها قائلة: “كانت الغابات موضوعًا بارزًا هذا العام لأنها كشفت حقيقة أعمق: الحكومات ما زالت تتجنب التغييرات الجذرية اللازمة، بينما يتم تهميش المتضررين بشدة، والأكثر قدرة على حماية الغابات. إلى أن يركز العمل المناخي العالمي على حقوق المجتمعات المحلية، والعدالة بين الجنسين، وترسيم حدود أراضي المجتمعات المحلية، والتعويضات، والمساءلة الحقيقية، ستستمر المفاوضات الدولية في الفشل، مهما كانت رمزية الموقع”.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=

جزيرة ام اند امز

NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى