بريطانيا تطلق خطة طموحة للأصول الرقمية والعملات المشفرة لتعزيز مكانتها العالمية

في خطوة تعكس تحولا استراتيجيا في السياسة المالية والتكنولوجية، كشفت المملكة المتحدة عن خطة شاملة تهدف إلى ترسيخ مكانتها كمركز عالمي رائد في مجال الأصول الرقمية والعملات المشفرة.
وقالت صحيفة “لزيكو” الاقتصادية الفرنسية إنه “بينما تتسارع المنافسة الدولية في هذا القطاع الحيوي، تسعى لندن إلى سد الفجوة مع الولايات المتحدة وأوروبا عبر إطار تنظيمي متكامل يجمع بين حماية المستهلك، وجذب الاستثمارات، ودعم الابتكار المالي”.
وأعلنت الحكومة البريطانية أن لندن تعتزم اعتماد إطار تنظيمي شامل لقطاع الأصول المشفّرة بحلول النصف الثاني من عام 2027، في خطوة تستلهم إلى حد كبير النموذج المعمول به في الولايات المتحدة. ويأتي هذا التوجه في إطار مسعى واضح لتحويل بريطانيا إلى وجهة عالمية مفضلة للأصول الرقمية، وتعزيز قدرتها على استقطاب الاستثمارات الدولية في هذا القطاع سريع النمو.
وأكدت وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، أن الهدف الأساسي من هذه الخطة يتمثل في “توفير حماية قوية لملايين المستخدمين، من خلال إقصاء الجهات المشبوهة وإبعاد الممارسات غير الموثوقة عن السوق البريطانية”. وأضافت أن التنظيم الجديد سيمنح المستثمرين والأفراد قدرًا أعلى من الثقة، ويحدّ من المخاطر التي ارتبطت تاريخيًا بأسواق العملات المشفّرة غير المنظمة.
وبحسب بيان رسمي صادر عن وزارة المالية البريطانية، فإن النظام الجديد سيغطي مختلف فئات الأصول الرقمية، بما في ذلك العملات المشفّرة التقليدية، والعملات المستقرة المرتبطة بعملات رسمية أو أصول حقيقية، فضلًا عن أشكال أخرى من الأصول الرقمية القائمة على تقنيات السجلات الموزعة (البلوكتشين).
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذا الإطار يهدف إلى تنظيم عمليات الإصدار والتداول والحفظ، إضافة إلى تعزيز متطلبات الشفافية والامتثال ومكافحة غسل الأموال.
ووفقًا للصحيفة، فإن الحكومة البريطانية تعتزم تنظيم تحركها في هذا المجال بالاستناد إلى ركيزتين أساسيتين: ضمان “توفير حماية قوية لملايين المستهلكين، من خلال إقصاء الجهات المشبوهة من السوق البريطانية”، وتكليف هيئة السلوك المالي البريطانية، وهي الجهة الرقابية المشرفة على القطاع المالي في المملكة المتحدة، بمهمة مراقبة الفاعلين في قطاع الأصول المشفّرة وفرض العقوبات عليهم عند الاقتضاء.
وأوضحت وزيرة المالية أن هذا التوجه يأتي في ظل تفشي عمليات الاحتيال خلال السنوات الأخيرة داخل بريطانيا، حيث شهدت الخسائر المالية التي تكبدها المستهلكون البريطانيون نتيجة عمليات الاحتيال الاستثماري ارتفاعًا حادًا بنسبة 55% خلال العام الماضي، لتصل إلى 629 مليون جنيه استرليني. والأخطر من ذلك أن العملات المشفرة الوهمية تصدرت قائمة هذه الاحتيالات، ما جعلها في صلب المخاوف التنظيمية للسلطات البريطانية.
وتسعى المملكة المتحدة من خلال هذه الخطوة إلى تجاوز الصورة السائدة عنها باعتبارها متأخرة نسبيًا مقارنة بالاتحاد الأوروبي، ولا سيما الولايات المتحدة، في مجال تنظيم الأصول الرقمية. ففي حين قطعت واشنطن شوطًا كبيرًا في بناء بيئة تشريعية جاذبة لهذا النوع من الاستثمارات، ما زالت لندن تعمل على إعادة تموضعها بعد مرحلة عدم اليقين التنظيمي التي أعقبت خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وترى الحكومة البريطانية أن قربها التاريخي والاقتصادي من الولايات المتحدة يشكل عامل قوة يمكن البناء عليه، سواء من حيث تقارب النماذج التنظيمية أو من حيث سهولة تدفق الاستثمارات العابرة للأطلسي. كما تعول لندن على سمعتها الراسخة كمركز مالي عالمي، وبنيتها التحتية المتقدمة في مجالات الخدمات المصرفية والتكنولوجيا المالية، لتكون منصة طبيعية لنمو الأصول الرقمية.
وتأتي هذه الخطة في وقت يشهد فيه قطاع العملات المشفرة تحولات عميقة، مع تزايد اهتمام البنوك المركزية بإصدار عملات رقمية رسمية، وتنامي دور العملات المستقرة في المدفوعات الرقمية، إلى جانب تصاعد مطالب المستثمرين ببيئة أكثر أمانًا واستقرارًا. وترى السلطات البريطانية أن الجمع بين الابتكار والتنظيم الصارم هو السبيل الأمثل لتحقيق نمو مستدام في هذا القطاع.
وبحسب محللين، فإن نجاح الخطة البريطانية سيعتمد إلى حد كبير على قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين تشجيع الابتكار وعدم خنقه بالتشريعات، من جهة، وضمان حماية المستهلكين والاستقرار المالي، من جهة أخرى. ورأت “ليزيكو” أنه إذا تحقق هذا التوازن، فقد تتحول لندن مجددًا إلى لاعب محوري في رسم ملامح الاقتصاد الرقمي العالمي خلال السنوات المقبلة.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA=
جزيرة ام اند امز



