تقنية

من الخرطوم للجزيرة.. سجل مثقل بالانتهاكات يلاحق الجيش السوداني


أدلة جديدة تشير إلى عنف متصاعد ضد المدنيين على يد الجيش السوداني تتراوح بين القتل الميداني والعنف العرقي وتدمير الممتلكات واستخدام أسلحة محظورة.

وتؤكد الوقائع الميدانية أن العمليات العسكرية لم تقتصر على المواجهات مع قوات «الدعم السريع» فحسب، بل طالت المدنيين بشكل مباشر، ما أسفر عن سقوط ضحايا وتضرر واسع للبنية التحتية والممتلكات ما يفاقم معاناة المدنيين ويزيد الأوضاع الإنسانية في كل المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش.

كان أحدثها تحقيق شبكة “سي إن إن” الأمريكية والذي كشف عن أدلة واسعة النطاق على العنف العرقي والقتل الجماعي الذي مارسه الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في ولاية الجزيرة.

تحقيق «سي إن إن» يعزز مصداقية تقارير أممية سابقة، فضلاً عن ما أقره حقوقيون سودانيون لـ” العين الإخبارية”، تأكيداً على الأدلة والبراهين التي تُثبت حقيقة الجرائم التي نفذتها القوات المنضوية تحت مظلة الجيش السوداني، إبان إعادة السيطرة على ولاية الجزيرة في أوائل العام 2025.

 وبحسب “سي إن إن” فإن قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان “تمكن من إخفاء الجرائم المزعومة التي ارتكبتها قواته، بينما حول اتهامات جرائم الحرب إلى قوات الدعم السريع”.

وجاء التحقيق المشترك الذي شارك فيه مركز ” Lighthouse Reports”، ليكشف أن الجيش السوداني استغل انقسامات عرقية في ولاية الجزيرة لطرد مجموعة غير عربية من أراضيها.

وفي أوائل 2025، استعاد الجيش السوداني السيطرة على مدينة “ود مدني” المركزية في ولاية الجزيرة، وأعلنت عن عملية تطهير للمدينة و”جيوب المتمردين“ المحيطة بها.

مجزرة ود مدني

وفي فبراير/ شباط الماضي، أقرت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، بوقوع عدد من الجرائم ضد الإنسانية تورط فيها الجيش السوداني والفصائل العسكرية المتحالفة معه.

وقالت المنظمة، في بيان، آنذاك، اطلعت عليه “العين الإخبارية”، إنه وخلال هجوم الجيش السوداني لاستعادة ولاية الجزيرة وسط السودان، التي كانت خاضعة بشكل كبير لسيطرة قوات الدعم السريع، بين ديسمبر/كانون الأول 2023 وفبراير/شباط 2025، هاجم الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه مدنيين في عاصمة الولاية، ود مدني، والمناطق المحيطة بها.

وأشارت إلى أن “قوات درع السودان”، وهي مجموعة مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، استهدفت المدنيين وممتلكاتهم عمداً في هجوم على قرية “طيبة” في ولاية الجزيرة في 10 يناير/كانون الثاني 2025، ما أسفر عن مقتل 26 شخصاً على الأقل.

الأدلة تتراكم

وكانت “العين الإخبارية ” رصدت في وقت سابق، تقريرا  للمفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، فوركر تورك، في يناير/كانون الثاني، أعرب فيه عن “قلقه البالغ” إزاء تقارير أفادت بحصول عمليات إعدام ميدانية بحقّ مدنيين في شمال الخرطوم ارتكبها عناصر من الجيش السوداني ومليشيات متحالفة معه.

وكان تورك قال في بيان صادر في 31 يناير/كانون الثاني، اطلعت عليه آنذاك “العين الإخبارية” إنّ “القتل العمد للمدنيين أو الأشخاص الذين لم يشتركوا في أعمال عدائية، أو توقفوا عن المشاركة فيها، يُعد جريمة حرب”.

وجاء في بيان صادر عن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أورده الموقع الإلكتروني للمنظمة أن معلومات تم التحقق منها من قبل المكتب أفادت بمقتل ما لا يقلّ عن 18 شخصاً، بينهم امرأة، في سبع حوادث منفصلة “نُسِبت إلى جنود ومليشيات تابعة للقوات المسلحة السودانية منذ استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم في 25 يناير/كانون الثاني”.

وأشار البيان إلى أنّ “العديد من ضحايا هذه الحوادث – التي وقعت في محيط مصفاة الجيلي – ينحدرون من دارفور أو كردفان في السودان”.

وأشار البيان إلى “مقطع فيديو” كان قد تم تداوله على نطاق واسع آنذاك، يُظهر رجالا يرتدون زي القوات المسلحة السودانية وأفراداً ينتمون إلى لواء “البراء بن مالك” في الخرطوم بحري وهم يقرأون قائمة طويلة بأسماء أشخاص يُزعم أنهم متعاونون مع قوات الدعم السريع، ويردّدون كلمة “زايل” وتعني “قتيل” بعد كل اسم.

جرائم القصف الجوي

ووفقاً لتصريحات حديثة لنشطاء حقوقيين في السودان، لم تقتصر جرائم الجيش السوداني وحلفائه، على التصفيات على أسس عرقية أو سياسية فحسب، بل ارتكب طيران الجيش السوداني جرائم ضد المدنيين فب ولاية الجزيرة، لم تتطرق لها التقارير الدولية الحديثة.

وأكدت عضو المكتب التنفيذي لـ “محامو الطوارئ” في السودان، رحاب المبارك، أن مجموعة “محامو الطوارئ” – هيئة حقوقية تطوعية تضم عددا من القانونيين السودانيين المدافعين عن حقوق الإنسان، قامت خلال رصدها الميداني، بتوثيق عدد من الجرائم التي تتم تحت غطاء حرب “الكرامة” التي يدعيها ويُديرها الجيش السوداني.

وأشارت خلال حديثها لـ”العين الإخبارية”، إلى أن الجيش السوداني ارتكب هو والكتائب العسكرية المتطرفة المتحالفة معه العديد من جرائم الحرب في ولاية الجزيرة إبان سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وكذلك بعد أن استعاد الجيش السوداني سيطرته عليها.

وأوضحت أن كثيرا من الجرائم التي ارتكبها الطيران الحربي للجيش السوداني، جاءت نتيجة لعدم وجود أدني مسؤولية أخلاقية وفقاً لقانون “النسبة والتناسب”.

وأوضحت أن طيران الجيش السوداني تعمد قصف مناطق مدنية مأهولة بالسكان تحت مبررات حربه ضد قوات الدعم السريع، دون أدنى مراعاة لحياة المدنيين”، مشيرة إلى ما حدث في مدينة “الحصاحيصا” وسط الجزيرة، حيث تسببت الغارات الجوية في خسائر بشرية ومادية موثوقة ومؤكدة لدى الأهالي هناك”، قائلة:” هذه جرائم موثقة يمكن إضافتها للتقارير الحديثة”.

عبدالفتاح البرهان - أرشيفية

أسلحة كيماوية

وتابعت عضو المكتب التنفيذي لـ “محامو الطوارئ” حديثها لـ” العين الإخبارية”: “كثير من الجرائم التي ارتكبتها المليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني في ولاية الجزيرة، تمت بدوافع عرقية وسياسية، وتحت مرأى ومسامع قيادات الجيش السوداني”.

واستدلت على أن سكان ما يعرف بـ “الكنابي” في ولاية الجزيرة – وهم مجموعات سكانية من المزارعين والعمال في مشروع الجزيرة الزراعي، وينحدرون -غالبيتهم- من إقليم دارفور غربي السودان، تعرضوا إبان إعادة الجيش السوداني سيطرته على ولاية الجزيرة، إلى انتهاكات جسيمة، كانت تتم على أسس عرقية”.

وأشارت المبارك إلى أن قوات “درع السودان” المتحالفة مع الجيش السوداني، والتي يقودها أبو عاقلة كيكل، مارست صنوفاً من الانتهاكات والقتل والتنكيل بسكان الكنابي، بحجة أنهم يمثلون حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع”.

وأضافت: ” كذلك تعرض كثير من المدنيين في ولاية الجزيرة لانتهاكات جسيمة، قامت بها مليشيات “البراء بن مالك” الإخوانية، بغرض تصفية حساباتها مع الخصوم السياسيين، وعلى أساس أنهم تعاونوا مع قوات الدعم السريع إبان فترة سيطرته على ولاية الجزيرة”.

وأكدت المبارك أن الجيش السوداني نفسه كان قد اعترف بوجود جرائم وانتهاكات في ولاية الجزيرة، إلا أنه رفض دخول بعثات تقصي الحقائق إلى هناك، خصوصاً بعد بروز تقارير تتحدث عن استخدامه للسلاح الكيماوي في ولاية الجزيرة”، لافتةً إلى ظاهرة “نفوق” الآلاف من الفئران في مشروع الجزيرة، والتي وثقتها التقارير الميدانية آنذاك، ومما يؤكد بقوة احتمالية استخدام الجيش السوداني لـ”براميل الكلور” المتفجرة في حربه ضد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة.

وفي 22 مايو/أيار 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على السودان، مشيرة إلى استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الجيش السوداني.

وبينما تواصل الحكومة السودانية نفي هذه الاتهامات، تشير كل المعطيات والتقارير على الأرض، إلى ضلوع الجيش السوداني في هذه العملية.

وفي يومي 5 و13 سبتمبر/أيلول 2024، تم استخدام غاز الكلور كسلاح كيماوي بالقرب من مصفاة الجيلي للنفط التي تقع في شمال العاصمة السودانية الخرطوم. وكان الجيش آنذاك يحاول استعادة السيطرة على مصفاة النفط هذه من أيدي قوات الدعم السريع.

aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز NL

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى