متحف طرابلس الوطني.. عودة الذاكرة الليبية ورسالة ثقافية للمستقبل

جسّد افتتاح متحف طرابلس الوطني عودة النشاط الثقافي في ليبيا، معبّرًا عن تحسّن الأوضاع واتجاه لدعم التنمية الثقافية والعمرانية.
يُمثّل افتتاح متحف طرابلس الوطني في ليبيا مناسبة ثقافية ذات دلالات واسعة، تعكس تحسّنًا نسبيًا في الظروف الأمنية والاقتصادية، وتوجّهًا متناميًا نحو دعم التنمية الثقافية والعمرانية باعتبارها عنصرًا أساسيًا في إعادة بناء الدولة وتعزيز الثقة المجتمعية.
ويحمل افتتاح المتحف رسالة واضحة بأن ليبيا قادرة على حماية تراثها وصون تاريخها، وتوظيفه كعنصر فاعل في بناء الهوية الوطنية، وترسيخ مقومات الوحدة والاستقرار، واستشراف مستقبل يقوم على الوعي بالماضي والانتماء المشترك.
شراكة مع اليونسكو
يقول الدكتور شوقي معمر، أستاذ التاريخ القديم ورئيس جمعية ليبيا لاستكشاف المخابي والكهوف، إن متحف طرابلس الوطني يُعد مشروعًا ليبيًا أُنجز بالتعاون مع منظمة اليونسكو منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وافتُتح رسميًا عام 1988 بحضور العقيد معمر القذافي والمدير العام لليونسكو في ذلك الوقت.
وأوضح معمر، في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أن المتحف جاء بديلًا للمتحف السابق داخل القلعة، الذي افتتحه الإيطاليون عام 1936، حيث جرى نقل جميع التماثيل واللقى الأثرية إليه.
وأضاف أن المتحف أُغلق عقب أحداث عام 2011 لأسباب أمنية، قبل أن يخضع في الفترة الأخيرة لأعمال صيانة وتأهيل أعادت إليه دوره الثقافي، ومكّنته من استقبال الزوار من جديد.
مقتنيات المتحف
وعن أبرز المعروضات، أوضح المؤرخ الليبي أن من أهم القطع الأثرية مومياء «وان مهجاج»، التي اكتُشفت عام 1958 في منطقة تادرارات أكاكوس جنوب غرب ليبيا، على يد عالم الآثار الإيطالي فابريتسو موري.
وتعود هذه المومياء إلى عصور ما قبل التاريخ، وقد لُفّت بالجلد، وهو ما يجعل طريقة تحنيطها مختلفة تمامًا عن المومياء المصرية، كما أنها أقدم منها بأكثر من ألف عام، وفق دراسات علمية أُجريت عام 2003 في جامعة روما الثانية.
ويضم المتحف كذلك لوحات فسيفساء وتماثيل لأباطرة وآلهة رومانية، جرى اكتشافها في مدينتي لبدة الكبرى وصبراتة الأثريتين، إلى جانب عملات رومانية وإسلامية، وجناح مخصص لحضارات ما قبل التاريخ يحتوي على أدوات حجرية وأواني فخارية يعود تاريخها إلى أكثر من ثمانية آلاف عام. كما يضم أضرحة تعود إلى حضارة ليبية قديمة جنوب طرابلس، نُقل بعضها لعرضه داخل المتحف.
وأشار الدكتور شوقي معمر إلى وجود مومياء أخرى معروضة بالمتحف، اكتُشفت بالقرب من الحدود المصرية في واحة الجغبوب، وتعود إلى القرن الثاني الميلادي، فضلًا عن جناح خاص بالمقتنيات والتراث الليبي، وآخر للآلات الموسيقية الشعبية، إضافة إلى جناح يضم مقتنيات المجاهدين الليبيين خلال فترتي الاحتلال الإيطالي والحكم العثماني.
رسالة ثقافية
وأكد معمر أن إعادة افتتاح متحف طرابلس الوطني تمثل فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار للمشهد الثقافي الليبي، داعيًا إلى إنشاء متاحف مماثلة في مدينتي بنغازي وسبها، وتنشيط الحركة الثقافية من خلال المحاضرات والندوات، بما يسهم في دعم المصالحة الوطنية وترسيخ ثقافة الحوار وقبول الآخر، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
وشهدت العاصمة الليبية طرابلس مؤخرًا افتتاح متحف طرابلس الوطني داخل مجمع السرايا الحمراء، في مناسبة ثقافية وتاريخية أعادت الاهتمام بالتراث الوطني الليبي بعد سنوات من الإغلاق التي فرضتها الأوضاع الأمنية.
وجرى الافتتاح في أجواء احتفالية، بحضور رسمي ودبلوماسي وثقافي، إلى جانب مشاركة جماهيرية واسعة، عكست تطلّع الليبيين إلى استعادة ذاكرتهم الحضارية.
ويُعد متحف طرابلس الوطني من أبرز الصروح الثقافية في البلاد، إذ يضم مجموعات أثرية نادرة توثّق تعاقب الحضارات التي شهدتها الأراضي الليبية، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ، مرورًا بالحضارتين الإغريقية والرومانية، وصولًا إلى الحقبة الإسلامية والتاريخ الليبي الحديث، بما يجسّد عمق ليبيا الحضاري وتنوّعه.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز



