إجراء أمني.. مسؤول يكشف لـ«العين الإخبارية» سبب تشويش الخرائط بالعراق

تشهد مناطق واسعة من العاصمة العراقية بغداد وعدد من المحافظات منذ 5 أيام اضطرابات غير مسبوقة في خدمات الخرائط وتطبيقات تحديد
المواقع (GPS).
الخطوة تأتي ضمن إجراءات حكومية احترازية مرتبطة بالانتخابات البرلمانية المقرر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفقا لتأكيد مسؤول على صلة بالأمر.
وكشف تحسين هاني العامري مسؤول وحدة الحـوسـبـة السـحـابـيـة والشـبـكات في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العراقية أن “التشويش الواسع على أنظمة الملاحة العالمية مثل GPS وGLONASS وGALILEO ليس جديداً، لكنه ازداد وضوحاً مع اقتراب موعد الانتخابات، لأسباب تتعلق بـ”حماية مراكز العد والفرز وقواعد بيانات الناخبين من أي استهداف تقني أو ميداني”.
وقال العامري في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن عملية التشويش سوف تستمر حتى انتهاء الانتخابات البرلمانية، مبيناً أن “الهدف من عمليات التشويش هو منع الطيران المسير الذي يجوب البلاد من الوصول إلى أماكن حساسة، من بينها مواقع السيرفرات وقواعد بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إضافة إلى حماية تحركات الفرق الفنية والمراقبين من الرصد أو التعقب الخارجي”.
وأشار إلى أنّ “أنظمة الخرائط العالمية تعتمد على إشارات الأقمار الصناعية المدنية، وهي تتأثر مباشرة عند استخدام ترددات تشويش عسكرية أو أمنية، ما يفسّر الصعوبات التي لاحظها المواطنون خلال التنقّل أو استخدام تطبيقات النقل والخرائط”.
تأثير سلبي
ويرى الخبير في أمن المعلومات عمر الجنابي في حديث لـ”العين الإخبارية”، أنّ ما يجري “يعبّر عن تحول في التفكير الأمني للحكومة العراقية نحو حماية الفضاء السيبراني الانتخابي”، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن “التشويش الواسع قد يؤثر سلباً على قطاعات النقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات المدنية التي تعتمد على أنظمة تحديد المواقع”.
وشدد على أن “اللجوء إلى أساليب التشويش يجب أن يكون محسوباً زمنياً ومكانياً، لأن تعطيل الإشارات في المدن الكبرى مثل بغداد أو البصرة قد يعرّض الأمن المروري والرحلات الجوية الداخلية لمخاطر محتملة إذا لم يُنسّق مع الجهات المختصة في الطيران المدني”.
وتثير الإجراءات الأخيرة تساؤلات بين المراقبين حول ما إذا كانت الحكومة قد تلجأ إلى حجب مؤقت للإنترنت أو بعض التطبيقات خلال ذروة العملية الانتخابية، على غرار ما حدث في الانتخابات السابقة.
وأكد مصدر أمني كبير في جهاز الأمن الوطني لـ”العين الإخبارية”، أن “الظاهرة مؤقتة وستنتهي بانتهاء الانتخابات”، لكنه لم يحدّد موعداً دقيقاً لرفع القيود.
ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية طمأنة الرأي العام بأنّ جميع الإجراءات تندرج ضمن إطار حماية الأمن الوطني والسيادة الرقمية، غير أن خبراء مستقلين يرون أنّ الشفافية في الإعلان عن هذه الخطوات تبقى ضرورية لتجنّب الإرباك وفقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
أضرار اقتصادية
وفي سياق متصل، انتقد مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية ما وصفه بـ”تصاعد مظاهر التعسّف في استخدام السلطة” من قبل بعض الجهات التنفيذية، محذراً من أن هذه الإجراءات تُلحق أضراراً مباشرة بالمواطنين وأصحاب الأعمال، وتكلف الاقتصاد العراقي مبالغ ضخمة يومياً، وسط “غياب أي مبالاة حكومية” تجاه تداعياتها.
وقال المركز في بيان، إنّ من أبرز مظاهر هذا التعسّف إقدام السلطات على التشويش الواسع على خدمات الخرائط (GPS)، وإغلاق مئات الحسابات والمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي إشعار أو تنبيه مسبق للمتضررين.
وأوضح البيان أن عملية التشويش الأخيرة على تطبيقات الخرائط والملاحة تمثّل أوضح صور هذا “التجاوز”، إذ جرى تنفيذها دون توضيح رسمي من الجهات الحكومية، ما تسبب بخسائر مالية فادحة لقطاعات تعتمد بشكل مباشر على هذه الخدمات، مثل سائقي سيارات الأجرة وشركات التوصيل.
وأشار المركز إلى أن “الاضطرابات في أنظمة الخرائط دفعت السائقين لإلغاء مئات الطلبات يومياً بسبب العجز عن تحديد مواقع الزبائن”، مقدّراً حجم الخسائر اليومية بأكثر من خمسة مليارات دينار عراقي (الدولار يناهز نحو 1300 دينار)، إلى جانب تفاقم الازدحام المروري نتيجة تعطل تطبيقات الملاحة.
ودعا مركز النخيل السلطات إلى “احترام أوقات وأعمال المواطنين، والامتناع عن اتخاذ قرارات مفاجئة أو ارتجالية من دون إشعار مسبق”، معتبراً أن ما حدث يعكس “رسائل سلبية” تشير إلى عدم اكتراث الحكومة بمعاناة المواطنين والأضرار المباشرة التي تسببت بها قراراتها الأخيرة.
وختم البيان بالتأكيد على أن حرية الإعلام والاتصال جزء أساسي من النظام الديمقراطي، وأن أي قيود تُفرض على هذه المجالات ينبغي أن تكون شفافة ومعلنة ومحددة زمنياً، مشيراً إلى أن تكرار مثل هذه الإجراءات يضر بصورة الدولة ومناخ الاستثمار والبيئة الاقتصادية في البلاد.
aXA6IDQ1LjE0LjIyNS4xMCA= جزيرة ام اند امز



